ـ عجز النبي عن الإتيان بالخوارق، إلا في مواقع قريبة من التحدي.
ـ الوحي هو الفارق بين النبي وبين والناس.
ـ لم نعهد تحدُّث النبي عن المغيبات في المجتمع لا في الشؤون العامة ولا الخاصة.
ـ لم تحتج الرسالة إلى الحديث عن المغيبات العامة أو الخاصة.
يقول السيد محمد حسين فضل الله:
".. وقد يلاحظ المتأمل في القرآن أن الآيات تؤكد دائما على جانب الوحي كفارق بين الناس و بين النبي، كما تثير مسألة عجزه الذاتي عن القيام بكل الأمور الخارقة للعادة في غير النطاق المحدود للمعجزة في طبيعتها القريبة من مواقع التحدي الذي يجتذب ذلك للمحافظة على شخصية الرسالة وفاعليتها في المجتمع.. كما أن هناك نقطة مهمة في سيرته، وهي أنه لم يُعهد عنه التحدث بالمغيبات في مجتمع المسلمين فيما يتعلق بشؤونهم العامة والخاصة لأن رسالته لم تحتج إلى ذلك " [من وحي القرآن ج23ص169ط2]
ونقول:
1ً ـ لا نريد أن نقول: إن مما يؤسف له اشد الأسف أن يكون مقام النبي (ص) قد نزل إلى درجة أنه لم يعد الفارق ـ بنظر السيد فضل الله ـ بينه وبين الناس إلا الوحي.
فقد يتهمنا السيد فضل الله ـ كما عودنا ـ بأننا نفهم كلامه بطريقة غرائزية أو من خلال العقدة، أو ما إلى ذلك.
ولكننا نريد أن نقول: ماذا تعني دعوى كون هذا النبي عاجزاً ذاتاً عن أي أمر خارق للعادة في غير النطاق المحدود للمعجزة، فيما هو قريب من مواقع التحدي.
فهل معنى ذلك هو أن كل ما ورد من أحاديث في مناقبهم، وخوارق عاداتهم في غير مواقع التحدي مكذوب ومخالف للواقع؟!.
أو هل أن السيد فضل الله يرى.. أن هذه المئات من خوارق العادات التي صدرت عن النبي (ص) وعن الأئمة (ع) قد كانت كل مفردة منها في مواقع قريبة من التحدي؟.
فهل كان ذلك الرجل الذي دخل على الأمام الصادق (ع) وكان قد ارتكب مخالفة مع الجارية على الباب، فأخبره الأمام (ع) بما كان منه الوسائل ج 20 ص 196. ومن لا يحضره الفقيه ج 4 ص 8 والخرائج والجرائح ج 2 ص 190 هل إن ذلك الرجل كان في مواقع قريبة من التحدي؟!
وهل كان ذلك الرجل الذي دخل على الأمام الصادق (ع) والإمام الحسين (ع) وهو جنب، فنهاه (ع) عن ذلك الوسائل ج 2 ص 211 و212. وبصائر الدرجات ص 261 وقرب الاسناد ص 21 والارشاد ص 273 وكشف الغمة ج 2 ص 288 والخرائج والجرائح ج2 ص 1166 و226 ورجال الكشي 170 ـ 288 هل كان هو الآخر في موقع قريب من مواقع التحدي؟!
وحين جاء رجل إلى النبي ليفدي أسيراً له وكان معه عدد من الجمال فاستحسن جملا منها وخبأه في الطريق، فأخبره النبي (ص) بذلك، هل كان ذلك الرجل في موقع التحدي؟!.
وحين اشتكى ذلك الجمل صاحبه إلى النبي (ص)، هل كان النبي (ص) في موقع التحدي؟. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) ج 8
وحين سبّح الحصى بيده الشريفة، وحين حنّ الجذع إليه، ونبع الماء من بين أصابعه، وأطعم الجيش كله من فخذ شاة، وكلّمه كتف الشاة بأنه مسموم، وطلبت الغزالة منه أن تذهب لإرضاع ولدها ثم تعود، وغير ذلك مما يعد بالمئات من المنقول عنه (ص)، وكذا الكثير مما نقل عن الأئمة الطاهرين عليهم صلوات الله وسلامه، وكذلك حين تحدثت النملة عن سليمان وجنوده، وغير ذلك، هل كان ذلك كله في مواقع التحدي. أو أن ذلك من الأكاذيب والموضوعات!؟.
2ً ـ إن الآيات حين أكدت على افتراق النبي (ص) عن سائر الناس بالوحي، فإنما أرادت أن تحصن كلامه عن التشكيك والريب: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}. أو أرادت أن تنفي عنه (ص) صفة الألوهية، أو صفة الملك، التي يريد الكفار أن يجدوها فيه.
ولم تذكر هذه الآيات أبداً.. أن الفارق بين النبي (ص) وبين الناس محصور بالوحي بحيث لا يملك أية ميزة أخرى سوى ذلك.
على أنه إذا كان الفارق بين النبي وبين الناس يقتصر على خصوصية الوحي ـ كما هو صريح كلام هذا الرجل هنا ولم يزل يردد ذلك في كثير من المواضيع ـ فإن السؤال الذي نطلب الإجابة عليه هو:
ما هو الفارق بين الأمام وبين سائر الناس يا ترى، فإن الأمام لا يملك خصوصية الوحي التي يتحدث عنها هذا الرجل؟!..
3ً ـ إن تعبير السيد فضل الله بـ (العجز الذاتي) لا يغير في الحقيقة شيئا، لأن من يثبت هذه الكرامات والمعجزات للأنبياء والأصفياء، لا يدعي استغناء هذا النبي عن قدرة الله تعالى، لأن الفقر هو قوام كل من عداه سبحانه.
والأنبياء والأصفياء هم أولى الناس بتذكر هذه الحقيقة، وبالتذكير بها على الدوام.
4ً ـ وأما أنه لم يعهد من النبي (ص) التحدث في المغيبات في الشؤون العامة والخاصة. لأن الرسالة لم تحتج إلى ذلك.
فلا ندري كيف نفسره، وتلك هي كلمات النبي (ص) والأئمة (ع) التي يخبرون فيها عن العشرات بل المئات من المغيّبات في الشؤون العامة والخاصة، قد زخرت بها المجاميع الحديثية السنية والشيعية، وغيرها من مؤلفات علماء الإسلام.
فكيف يقول: لم نعهد أن النبي تحدث بشيء من ذلك؟.
هذا عدا عما ورد في القرآن من إخبارات غيبية كثيرة، يتداولها الناس ويسألون عنها باستمرار، كما في قوله تعالى {الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} وقوله تعالى {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا، أولي باس شديد فجاسوا خلال الديار، وكان وعداً مفعولا..}.
فكيف يقول: إن الرسالة لم تحتج إلى الحديث عن المغيّبات، لا العامة منها ولا الخاصة؟. ولماذا امتدح تعالى في كتابه المؤمنين بالغيب؟
إلا أن يدّعي السيد فضل الله: أن الله سبحانه قد تحدَّث بأمور لا فائدة فيها، ولم تكن لها مناسبة تقتضيها.
أو أن يكذّب بكل هذا المنقول الذي لا يرتاب أحد في تواتره الإجمالي. !
أو أن ينكر كل ما نقل عن الأئمة عليهم السلام في هذا السبيل.!
فإنه إذا لم يحتج مجتمع المسلمين إلى الحديث عن المغيّبات في المجتمع في الشؤون العامة أو الخاصة ؛ فهل احتاج المسلمون إلى ذلك بعدها حتى زخرت كتب الحديث والتاريخ بما أخبر به علي عليهم السلام من بعده.؟
وما الفرق بين أن يحدثنا الكتاب العزيز عن هذه المغيّبات، أو يحدثنا بها وعنها أحد المعصومين عليهم السلام. سوى قطعية الصدور في الكتاب ولزوم التثبت والتأكد من السند في الثاني.