ـ النصوص المتوافقة مع ذهنيات المجتمعات القديمة هي سبب الخطأ.
ونجده يصف النصوص الإسلامية التي كان الفقهاء يتحركون في دائرتها بأنها متوافقة مع الذهنية الإجتماعية التي كانت سائدة في العصور السابقة ويعتبر ذلك هو السبب في عدم كون المعرفة على هذه الدرجة من الصحة، فهو يقول معللا سبب حصول المعرفة الأصح بالنسبة للنظرة الإسلامية حول المرأة:
"ربما يعود ذلك إلى الآفاق الجديدة التي فتحت في العالم، الأمر الذي جعل العلماء يفكرون في الجانب الآخر من الصورة، وقد كانوا مستغرقين في الجانب الوحيد الذي عاشوه في دائرة مجتمعهم وفي دائرة النصوص المتوافقة مع الذهنية الإجتماعية السائدة" [ دنيا المرأة ص29]
ـ الحكم الشرعي يتغير تبعاً لتغير الاجتهاد.
يقول السيد محمد حسين فضل الله:
".. إنه يعني الرأي المستمدّ من القواعد الشرعية في فهم النصوص الدينية في الكتاب والسنة.. فيما يفهمه المجتهد منها وفيما يستوحيه مما ينسجم مع أجواء النص وإيحاءاته فلا يمكن له أن يعطي رأياً في مقابل النص، أو يضع حكماً لم يرد به نص، ولم تفرضه قاعدة فقهية مستمدة من الكتاب والسنة.. حتى العقل الذي اعتبره بعض المجتهدين دليلاً من أدلة الأحكام.. لا بد له أن يتحرك في نطاق الأفكار القطعية التي لايقترب إليها الشك فيما يستفيده من ملاكات الأحكام.. فلا مكان للحكم العقلي الظني في ذلك من قريب ومن بعيد..
إن الاجتهاد الإسلامي.. هو اجتهاد في فهم الإسلام.. وليس اجتهاداً ذاتياً يستمد أفكاره من حركة الواقع.. ولا مانع من أن يتغير الحكم الشرعي تبعاً لتغيّر الإجتهاد.. ولكن تغير الاجتهاد لا يخضع للتغييرات الحاصلة من الخارج بل من خلال اكتشاف خطأ في الإجتهاد السابق.. على أساس خلل في فهم النص أو تطبيقه.. أو في قاعدة شرعية هنا.. ربما لا يكون لها مجال في هذا المورد أو ذاك لأن قاعدة شرعية أخرى.. هي الأولى في هذا الموضع.. أو ذاك.. وعلى ضوء ذلك.. يبقى الإجتهاد متحركاً، في نطاق حدود علمية معينة تحفظه عن الإنحراف وتصونه عن الزلل.. وتحركه في اتجاه الاكتشاف الأمين للحكم الشرعي الذي أنزله الله في كتابه، أو أوحى به إلى نبيه.. فلا مجال لتطوير الإسلام من خلال الإجتهاد.. بل كل ما هناك.. أن نجتهد في دراسة مدى انسجام خطوات تطور الإسلام في التشريع، أو ابتعادها عنه.. لنحدد موقفنا من ذلك على هذا الأساس.. لأن حكم الله هو القاعدة للحياة، وليست القضية بالعكس" [من وحي القرآن ج9ص292-293ط2]
ونقول:
إن نظرية التصويب في الإجتهاد التي يقول بها جمهور علماء السنة مرفوضة عند الشيعة، ويرونها نظرية باطلة من الأساس.
والمُراجع لكلمات القائلين بالتصويب الباطل يجدهم فريقين:
أحدهما:
يقول: إنه ليس في الواقعة حكم أصلاً، بل الله ينشئ الحكم وفق اجتهاد المجتهد وظنه، فيتعدّد الحق بتعدد المجتهدين.
الثاني:
يرى: أن كل مجتهد مصيب، وإن كان الحق مع واحد، وهو الذي وافق اجتهاده الحكم الواقعي الذي جعله الله، فلله سبحانه وتعالى حكم واقعي، لكن إذا أدى ظن المجتهد إلى حكم مخالف له فإن الله سبحانه تعالى ينشئ حكماً على وفق ظنه واجتهاده، فيصير المجتهد بذلك مصيباً، وإن كان قد أخطأ الحكم الواقعي.
ومن تصريحاتهم الدالة على ما يذهبون إليه من التصويب:
1 ـ قول الشهاب الهيثمي في شرح الهمزية على قول البوصيري عن الصحابة: (كلهم في أحكامه ذوو اجتهاد ـ أي صواب ـ وكلهم أكفاء).
2 ـ وعن العنبري في أشهر الروايتين عنه: (إنما أصوب كل مجتهد في الذين يجمعهم الله، وأما الكفرة فلا يصوبون) إرشاد الفحول ص159
3 ـ وقال الشوكاني: (ذهب جمع جمّ إلى أن كل قول من أقوال المجتهدين فيها، (أي في المسائل الشرعية التي لا قاطع فيها) حق، وأن كل واحد منهم مصيب، وحكاه الماوردي والروياني عن الأكثرين، قال الماوردي: (وهو قول أبي الحسن الأشعري والمعتزلة).
إلى أن قال: (وقال جماعة منهم أبو يوسف: إن كل مجتهد مصيب، وإن كان الحق مع واحد، وقد حكى بعض أصحاب الشافعي عن الشافعي مثله).
إلى أن قال: (فمن قال: كل مجتهد يصيب، وجعل الحق متعددا بتعدد المجتهدين فقد أخطأ) إرشاد الفحول ص261
4 ـ وقال حول حجية الإجماع: (فغاية ما يلزم من ذلك أن يكون ما أجمعوا عليه حقاً، ولا يلزم من كون الشيء حقاً وجوب اتباعه ؛ كما قالوا: إن كل مجتهد مصيب، ولا يجب على المجتهد الآخر اتباعه في ذلك الاجتهاد بخصوصه) إرشاد الفحول ص78
5 ـ وقال الأسنوي حول الإجتهاد في الواقعة التي لا نص عليها: فيها قولان:
أحدهما: أنه ليس لله تعالى فيها قبل الاجتهاد حكم معين بل حكم الله تعالى فيها تابع لظن المجتهد. وهؤلاء القائلون بأن كل مجتهد مصيب، وهم الأشعري، والقاضي وجمهور المتكلمين الأشاعرة والمعتزلة الخ..)
نهاية السؤل ج 4 ص 560 وراجع ص 558 وراجع: الأحكام للآمدي ج 4
ونقل عن الأئمة الأربعة ـ ومنهم الشافعي ـ التخطئة والتصويب فراجع نهاية السؤال ص567
وحين يقول السيد محمد حسين فضل الله: لا مانع من أن يتغير الحكم الشرعي تبعاً لتغيُّر الاجتهاد، مع تصريحه بوجود حكم واقعي أخطأه من أخطأه وأصابه من أصابه فإن كلامه يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون قد قال بمقولة الفريق الثاني من المصوِّبة، من غير الأمامية. وهي أن كل مجتهد مصيب لكن الحق مع واحد.
الثاني: أن يكون مراده من الحكم الشرعي الذي يتبدل بتبدل الاجتهاد هو الحكم الشرعي الظاهري كما تقول به الأمامية، لكن إطلاق عبارته، وما عرفناه عنه من جنوحه إلى الأخذ بآراء غير الأمامية، مثل عمله بالقياس، وبأخبار العامة، وبالاستحسان، وبالمصالح المرسلة وغير ذلك من مناهج غير الشيعة الأمامية، كما اتضح في هذا القسم ـ نعم ـ إن ذلك كله ـ يجعلنا غير قادرين على تأويل كلامه بما يوافق ما عليه الشيعة الأمامية، أو فريق منهم، لأن كلام أي شخص إنما يلتمس له التأويل، أو يحمل على خصوص أحد المعاني حينما يكون قد عرف عن ذلك الشخص أنه يلتزم نهج أسلافه في آرائه، وفي مناهجه ومقولاته، حيث يكون ذلك قرينة عقلية ومنطقية على إرادته هذا المعنى بخصوصه، أما حين يظهر في موارد كثيرة ومتنوعة في مجالاتها وخصوصياتها جنوحه إلى مقولات الآخرين، فان هذا يصلح لأن يكون قرينة على تحديد المعنى المراد من كلامه هذا، وهو الأمر الذي دعانا إلى أن نضع بين يدي القارئ الكريم هذا النص الذي يومئ إلى مقولة التصويب، ويظن انطباقه عليها