بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين .
قبل الخوض في البحث نستهله برواية تيمنا عن ابي جعفر عليه السلام قال ( ما من عبد الا وفي قلبه نقطة بيضاء فاذا اذنب خرج في تلك النكتة نكتة سوداء فان تاب ذهب ذلك السواد وان تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فاذا غطي البياض لم يرجع صاحبه الى خير ابدا وهو قول الله عز وجل : بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).
فالقلب كالمرآة كلما اشتدت صفاءا تكون صورها المعكوسة اكثر وضوحا وكلما اشتدت سوادا قل وضوح صورها بل ينعدم احيانا .
ان مفهوم الامامة تعرض في الدراسات الكلامية التراثية والدراسات المعاصرة الى الكثير من الخلط وعدم الوضوح في طرح معناه,حتى علت بعض الاصوات الثقافية المعاصرة بدعوى انها مسألة اصبحت جزءا من التاريخ وان تلك امة لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت من قبل بعض من ينسب نفسه الى حريم مذهبنا وانما هذا يكشف بصورة واضحة عن عدم هضمه لمعنى الامامة .
وهنا نود فقط ان نبين منشا هذا الخلط حيث ان كلمة الامامة لا تحمل معنى واحدا لدى المدرسة الشيعية والمدرسة السنية .ويمكننا توضيح ذلك بتوجيه هذا السؤال : هل الامامة مشترك لفظي ام مشترك معنوي ؟ اي هل الامامة تحمل نفس المعنى في الفكر السني والفكر الشيعي اما انها لفظ واحد ولكن معناه مختلف ؟
ان وظيفة مقام النبوة هي المرجعية الدينية من جهة والحاكمية السياسية من جهة اخرى (1),اي تبليغ احكام الله بين الناس ليعرفوا ما فيه خيرهم وصلاحهم وتنفيذ الاحكام لتنظيم شؤون الامة ورفع اختلافها وهذا ما جسده النبي الاعظم صلى الله عليه واله وسلم في مجتمع المدينة, وانما سميت يثرب بالمدينة لانها عرفت لاول مرة معنى المدنية والمجتمع المنظم بعد ان كانت تسودها الخلافات والنزاعات القبلية .
وهذا المقدار هو محل اتفاق علماء الاسلام قاطبة ولم يشذ منهم الا في العصر المتأخر مصطفى عبدالرازق من علماء الازهر الذي قال ان الحكومة السياسية سواء للنبي صلى الله عليه واله وسلم او للخلفاء هي تسلطن دنيوي وليس شرعي ديني في كتابه الاسلام واصول الحكم وهم قد رفضوا هذا الراي فلا عبرة لنا بنقاشه وبيان سبب تلك الدعوى .
ومن هنا نشا التساؤل بعد رحلة الرسول هل من يخلفه , يخلفه في الحكم السياسي اي الشؤون التنفيذية للاحكام ام لا يخلفه بهما معا لان اصل الحاجة الى الدين هما منشا تلك الوظائف؟
ذهب اهل السنة الى الاول ,وائمة اهل البيت صلوات الله عليهم الى الثاني ز
هذه هي اول نقطة في الاختلاف , ومنها انطلقت الاشتباهات التي بعدها , فالسنة قالوا بان الامام من بعد الرسول وظيفته تنفيذية فكان الامام والامام باصطلاحهم تعني الحاكم والحكومة , اي انهم يساوون بين معنى الامامة ومعنى الحكومة فاذا قلت امام يتبادر الى ذهنهم حاكم سياسي لا غير , بعد ان عرفوا الامام بهذا المعنى بحثوا شروطه, فقالوا العدالة -على خلاف بينهم- وانه يكون اماما بالبيعة الى اخر الشرائط التي ذكروها , وهنا بدأوا يتسائلون ما الداعي الى ان يكون الحاكم السياسي معصوما وبالنص كما يقوله الشيعة , ولماذا تنازلوا عن تلك الشروط -النص والعصمة- في زمن الغيبة و فحكامهم غير منصوص عليهم وغير معصومين , الى اخر تلك التساؤلات لان منشاها هذا الخلط هم ساووا بين الامامة والحكم السياسي وان الحكم شأن يخص الناس وما يخص الناس شورى بينهم بصريح القران.
في حين ان الامامية لا تساوي بين الامامة والحكومة وانما تقول بان وظيفة الامام هي عين وظيفة النبي وان الحكومة متفرعة ومترشحة على كونه معصوم لا العكس , فدوره في الهداية هو عين دور النبي لاستحالة انقطاع ذلك لاصل الحاجة الى الدين نفسها وان ديننا هو الدين الخاتم وان نبينا هو النبي الخاتم , وهذا المعنى يختلف تماما عن المعنى السني فكيف تستعمل كلمة الامامة بنفس المعنى ثم يجري النقاش عن الحاكم وشروطه ؟
فانظر دعوى من يقول بان الامامة شان تاريخي , كيف انطلق ونظر الى المسئلة , انطلق من نفس الرؤى السنية لمعنى الامام اي الحاكم السياسي باستعمالهم, فقال انها امة خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ما الداعي الى اثارتها والاهتمام بها ؟!!
اذا اتضح ان مفهوم الامامة مشترك لفظي يتبين لنا عمق المغالطة في تلك الكلمات فالامامة شأن رباني حي باعتقادنا لا حكم سياسي متغير تكفي فيه العدالة لانه امتداد لنفس النبوة في المعتقد الشيعي ولمعنى الامامة في القران الكريم , هذا البحث توضيح منهجي للخلط وليس استدلالي لاثبات كل ما ذكرناه بالنصوص القرانية والروائية ومعنى الامامة بالتفصيل وكل ذلك يمكن ان يراجع في دروس ومحاضرات الاستاذ السيد كمال الحيدري حفظه الله في دروسه الشريفه عن الامامة في التصور القراني او مراجعة كتاب حديث الامامة له حفظه الله ,ونسئل الله ان يوفقنا لطرحها بالتفصيل على هذا المنتدى المبارك.
غاية الامر نريد ان نبين هذا الخطأ الكبير وهو بحث الامامة بعين كونها تعني الحكم السياسي وهذا هو تصور اهل السنة عن الامامة اما التصور القراني الذي اعتمده اهل البيت عليهم السلام وشيعتهم
فهو يختلف عن ذلك فالحكم السياسي لدينا حيثية متفرعة عن معنى الامامة , لا انها هي هي فالامامة اعظم واكبر من ان تختزل في هذا البعد ومن ثم عقد المقارنات بين التصورين على انهما يملكان تصورا واحدا عن الامامة يمارس خطأ كبيرا في عملية الاستيعاب والفهم للقران وما يريده, بل ان ذلك ما حدا المدرسة السنية الى اعتبار الامامة من الفروع بينما نحن وفق التصور القراني نجعلها من الاصول والحمد لله رب العالمين.
(1)ان هذا المقدار هو المتفق عليه وهناك بحث اختلف به العرفاء من المدرستين مع المتلكمين من المدرستين عن البعد التكويني ووساطة الفيض الرباني وهذا يحتاج الى بحث طويل الذيل لبيان معناه وسبب الاختلاف فيه .